التهديد الصيني لصناعة الإلكترونيات: هل يمكن للولايات المتحدة مواجهة التفوق الصيني؟
التهديد الصيني لصناعة الإلكترونيات: هل يمكن للولايات المتحدة مواجهة التفوق الصيني؟ لقد عاشت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون فترة طويلة بدون أن يشعروا بأي تهديد خارجي في مجال التكنولوجيا والإلكترونيات، حيث كانت شركاتهم تسيطر بشكل كبير على هذه القطاعات. ولكن مع دخول الصين بقوة إلى هذا المجال، خاصة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأ الخبراء ومسؤولو الأمن القومي في الولايات المتحدة وأوروبا يعبرون عن قلقهم المتزايد إزاء التفوق الصيني المتصاعد في هذه الصناعة.
في تحليل نُشر على موقع مجلة “ناشونال إنترست”، يوضح بريان جيه. كافاناو، الذي شغل منصب كبير مديري إدارة المرونة في مجلس الأمن القومي الأميركي من 2018 إلى 2021 تحت رئاسة الرئيسين الأميركيين دونالد ترامب وجو بايدن، أن السيطرة الصينية المتزايدة على صناعة الإلكترونيات لا تهدد فقط الحالة الاقتصادية لهذا القطاع في الولايات المتحدة، وإنما تنطوي أيضًا على مخاطر كبيرة للأمن القومي الأميركي.
الصعود الصيني ليس مجرد مصادفة:
يشير كافاناو إلى أن صعود الصين كقوة عالمية في صناعة الإلكترونيات لم يكن نتيجة لمصادفة، بل جاء نتيجة لجهود استراتيجية مدعومة بقوة من الحكومة الصينية، حيث أطلقت مبادرة “صنع في الصين 2025”. من خلال هذه المبادرة، ضخّت الحكومة الصينية مليارات الدولارات لدعم الشركات المنتجة لكل شيء من الهواتف الذكية إلى شاشات العرض الرقمية.
وقد أدى هذا الدعم إلى زيادة حصة الصين في سوق شاشات عرض البلّور السائل (LCD) من 13% في عام 2016 إلى 45% في عام 2023. كما تقدمت الشركات الصينية بشكل كبير في سوق شاشات العرض الرقمية، بما في ذلك أجهزة التلفزيون، وشاشات الحواسيب، والهواتف الذكية، وحتى المعدات العسكرية. اليوم، تُعتمد العديد من الشركات العالمية على القدرات التصنيعية للصين في هذه المجالات.
التحديات الاقتصادية والأمنية:
يشير كافاناو إلى أن التداعيات الاقتصادية لهذه السيطرة الصينية واضحة، حيث أن الدعم الصيني يشوه السوق العالمية ويجعل من الصعب على الشركات في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة منافسة الشركات الصينية بصورة عادلة. هذا الأمر أدى إلى تراجع التصنيع المحلي وفقدان الوظائف في الولايات المتحدة، مما يضعف المرونة الاقتصادية لأميركا وحلفائها ويزيد من الاعتماد غير الصحي على الإمدادات الصينية.
ولكن الأخطر من ذلك هو التداعيات على الأمن القومي، حيث إن الاعتماد على الشاشات الرقمية والمكونات الإلكترونية الصينية يخلق نقاط ضعف خطيرة في منظومة الأمن القومي الأميركي. وفي ظل التشابه الكبير بين تصنيع الشاشات وأشباه الموصلات، يمكن للصين أن تستغل خبراتها في هذا المجال لتحقيق تقدم متسارع في تكنولوجيا أشباه الموصلات، مما يمثل تهديدًا أكبر للولايات المتحدة.
استراتيجية مواجهة متعددة الأبعاد:
يدعو كافاناو إلى ضرورة تبني الولايات المتحدة وحلفائها لإستراتيجية شاملة لمواجهة هذا التهديد الصيني المتعدد الأوجه، تتضمن تعزيز العلاقات مع الحلفاء، وبناء القدرات المحلية، وضمان تكامل سلاسل الإمداد، والمحافظة على التفوق التكنولوجي. كما يشير إلى ضرورة إعادة النظر في العلاقات التجارية مع الصين في قطاع الإلكترونيات وتطوير إستراتيجية مشتركة للتعامل مع ممارسات السوق الصينية.
في النهاية، يرى كافاناو أن السيطرة المدعومة من الدولة الصينية على صناعة الإلكترونيات تمثل تهديدًا واضحًا وآنياً للاستقرار الاقتصادي والأمن القومي الأميركي، مما يتطلب استجابة سريعة وفعّالة من واشنطن وحلفائها.