رمز فاوست: من الأسطورة إلى العصر النووي

هل نعيش في عصر فاوستي جديد؟

لطالما سعى الإنسان إلى تجاوز قدراته المحدودة، بحثاً عن تحقيق ما يستعصي عليه في رحلة حياته. وقد واجهته العديد من الخيارات الصعبة، لكن لم يكن دائماً ما يحسن الاختيار. في كتابه “عقد إبليس: تاريخ الصفقة الفاوستية” Devil’s Contract: The History of the Faustian Bargain، الصادر حديثاً عن دار ميلفيل للنشر، يأخذنا إد سايمون، أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة كارنيجي ميلون، في رحلة تاريخية عبر أسطورة فاوست، الرجل الذي أغراه الشيطان ليمنحه قوى غير محدودة في مقابل التنازل عن روحه.

أسطورة خالدة

أسطورة فاوست، التي ظهرت لأول مرة في مخطوط من القرن العاشر، تتجاوز كونها مجرد حكاية خيالية؛ فهي تلامس جوانب أعمق من الوجود البشري. يطرح سايمون كيف أن الأسطورة، التي تلت استجابة الله لإبليس بغواية البشر مع الاحتفاظ بشروط، تعكس الصراع الأزلي بين الخير والشر، وتعيد تصور مسألة قوى الشر وقوة الاختيار البشري.

فاوست: من الحقيقة إلى الأسطورة

يتتبع سايمون تطور شخصية فاوست التي بدأت كنموذج حقيقي لشخصية تاريخية تُدعى يوهان جورج فاوست. هذا الرجل، الذي اشتهر بانتقاله من دراسة اللاهوت إلى دراسة العلوم والسحر، وقع عقداً مع الشيطان يمنحه قدرات خارقة في مقابل روحه، ليتحول بعد وفاته إلى أسطورة أدبية وفنية. يعرض سايمون كيف أن ميثاق الشيطان الذي وقع عليه فاوست عادةً ما ينتهي بالندم والموت البشع، ليصبح رمزاً لأولئك الذين يضحون بقيمهم الروحية في سبيل المكاسب الدنيوية.

الفاوستية عبر العصور

يتناول الكتاب تأثير الأسطورة على الأدب والفن، من مسرحية كريستوفر مارلو “التاريخ المأسوي لحياة دكتور فاوست” إلى مسرحية يوهان فولفغانغ فون غوته “فاوست”. بينما يقدم مارلو صورة متشائمة لفاوست كضحية للشيطان، يسعى غوته إلى إنقاذ بطله، معتبراً طموح فاوست في المعرفة انعكاساً للبحث العلمي المشروع. كما يعرض الكتاب كيف استخدم توماس مان الأسطورة لتفسير الانجراف وراء جنون هتلر، وكيف يرى سايمون الفاشية باعتبارها تجسيداً للصفقة الفاوستية.

الدرس الحديث

يستعرض سايمون في خاتمة الكتاب كيف أن الأسطورة لا تزال حاضرة في عالمنا المعاصر. يشير إلى أن البشر ما زالوا يبرمون صفقات فاوستية لتحقيق مكاسب دنيوية، من الاستهلاك المفرط إلى التلوث البيئي. يلمح سايمون إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون “الشيطان” الجديد في هذا السياق. يدعو القارئ إلى استيعاب درس الأسطورة، ويدعو إلى التزام أخلاقي وتفكير نقدي لتفادي الهلاك الذي يتبعه كل صفقة شيطانية.

استنتاج

في “عقد إبليس: تاريخ الصفقة الفاوستية”، يعيد إد سايمون تصور الأسطورة الفاوستية كمراوغة مستمرة في حياتنا، مذكراً بأن الثمن الذي ندفعه في سعيانا وراء المكاسب يمكن أن يكون هلاكاً محتماً. إن الكتاب يعكس أهمية استيعاب الدروس التاريخية وتطبيقها في عالمنا الحديث.