“مريم ونيرمين” لعمرو العادلي: سرد متشابك وتفكيك للأزمة النفسية في أزمة منتصف العمر
“مريم ونيرمين” لعمرو العادلي: سرد متشابك وتفكيك للأزمة النفسية في أزمة منتصف العمر , في عام 1965، قدم عالم النفس الأميركي إليوت جاك مصطلح “أزمة منتصف العمر”، مشيراً إلى القلق الوجودي والمخاوف التي تواجه الفرد في هذه المرحلة، والتي قد تؤدي إلى سلوكيات غير منضبطة مثل الدخول في علاقات جديدة خارج إطار الزواج، مما يهدد استقرار الأسرة. على الرغم من تناول هذه الأزمة في العديد من الأعمال الأدبية والدرامية، فإن الرواية الجديدة لعمرو العادلي، “مريم ونيرمين”، تتناولها بشكل غير تقليدي.
تفكيك الصورة النمطية
عمرو العادلي في روايته “مريم ونيرمين” يكسر الصورة النمطية السائدة التي حصر فيها الرجل في دور الجاني في أزمة منتصف العمر. بدلاً من ذلك، يعرض الرواية عبر سرد معقد يضم امرأتين رئيسيتين تؤثران على حياة بطل الرواية، “محيي الدين أنيس”. العادلي يعتمد أسلوب السرد داخل السرد، مما يعكس عالم الرواية بكل تعقيداته وتداخلاته.
الميتا سرد وتعدد الرواة
تستعمل الرواية تقنية الميتا سرد، حيث يتداخل السرد في داخل السرد، كما يظهر في الرواية التي كتبها البطل وفقدها، والرواية التي كتبتها ابنة أخته “أروى”. يتناول العادلي تعدد الرواة كأداة لخلق بوليفونية في النص، مما يتيح تقديم وجهات نظر متعددة. الروائي يعمد إلى توزيع صوت السرد بين الشخصيات، بما في ذلك الأصوات غير البشرية مثل القط والفأر وقطعة ثياب، مما يعزز الفانتازيا والغموض في النص.
التضارب والضبابية
تلعب الضبابية والتضارب في المحكيات دوراً مهماً في زيادة التشويق وإثارة القارئ، حيث يكتشف القارئ أن الأحداث والشخصيات قد تكون وهمية أو غير واقعية. هذا التداخل بين الحقيقة والوهم يبرز التوترات الداخلية لشخصيات الرواية ويعمق تجربة القارئ.
تجاوز النمطية ومعالجة القضايا الاجتماعية
تتجاوز الرواية النمطية السائدة بتقديم صورة أكثر تعقيداً عن أزمة منتصف العمر. البطل “محيي الدين” يظهر كضحية لظروف قاسية ومعقدة في علاقته بزوجته “مريم”، التي تحول من كونها الجانية إلى ضحية في سردها الخاص. كما يعالج العادلي قضايا عدم التوافق الجنسي، وتهديدات الحروب، وتأثيرات الاحتلال على المجتمعات.
الدوائر والتكرار كأدوات سردية
يستخدم العادلي الدوائر والتكرار لإبراز فلسفة التاريخ وإعادة إنتاج الأحداث عبر دوراتها المتعاقبة. ينعكس هذا في تكرار الأحداث والمواضيع في الرواية، مثل الخيانة والانتحار، مما يخلق حلقة مفرغة تتزامن مع تكرار الأزمات والخيبات في حياة الشخصيات.
التفاصيل الثقافية والتقنيات السردية
تسهم التفاصيل الثقافية، مثل اللهجات المحلية والتوصيفات المشهدية، في إضفاء طابع واقعي وصادق على الرواية. يجسد العادلي البيئة التي تدور فيها الأحداث، مثل صحراء العلمين، بأسلوب سينمائي ولغوي يبرز جمال الحياة الريفية والبدوية.
الختام
تعتبر “مريم ونيرمين” عملاً أدبياً يعرض أزمة منتصف العمر بطرق مبتكرة ومعقدة، مستخدماً تقنيات سردية حديثة وكسر الصور النمطية. من خلال تعدد الأصوات والسرد داخل السرد، يقدم العادلي تجربة قراءة غنية ومثيرة تعكس صراعات الإنسان الداخلية وتحديات الحياة المعاصرة.